حفل فى سراى أفندينا
العسكرى(منحنيا): أرجو أن يكون الحفل قد حاز رضا الجناب العالى..
أفندينا: تمام..تمام..تمام...حفل عظيم..أنت عسكرى عبقرى فعلا..حراسة على أعلى مستوى..إسكات معارضين..صياغة قوانين..كتابة مراسيم..تنظيم حفلات..أفكار جهنمية..سياسات خارجية..أمن ونظام..بيانات..تصريحات..قرارات..شىء يفوق الخيال..
العسكرى(منحنيا): رضا مولانا السامى هو جائزة عمرى..
أفندينا: رضا الأمة هو قرة عينى..
العسكرى: طبعا..طبعا..كله من أجل الأمة..كلنا ولاؤنا للأمة..وجنابكم رمز الأمة..
أفندينا: هل كانت الأمة سعيدة بالحفل؟
العسكرى: طبعا...طبعا..ألم تلاحظ عظمتكم كيف كانوا فى فرح وحبور؟ كلهم كانوا فى سعادة بالغة..فنانون وصحفيون ومثقفون ورجال أعمال..كانوا جميعا فى نشوة لصحبة معاليكم..
أفندينا: فعلا فعلا..لقد اعجبنى جدا كلام هؤلاء المثقفين عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والفصل بين السلطات والدستور..لكن الحقيقة استعصت على بعض التعريفات..هل تعرف مثلا معنى الديموقراطية التى يتحدثون عنها ؟
العسكرى: نعم يا مولاى..الديموقراطية هى قيمة يسعى لها العالم المتحضر..وهى ببساطة تعنى أن يحكم الشعب نفسه من خلال البرلمان..والخضوع لرأى الأغلبية.
أفندينا: وكيف يتحقق هذا ؟
العسكرى: عن طريق الإنتخابات العامة..
أفندينا: إنتخابات عامة؟؟؟؟!!!! كيف يستطيع العامة أن يميزوا بين الصالح والطالح؟
العسكرى: لا يستطيعون يا سيدى..لذلك نراجع إختياراتهم ونصوبها لهم بما أوتينا من حكمة قد تغيب عنهم.الديموقراطية عندنا هى خضوع الدولة لحكم الأغلبية وخضوع الأغلبية لحكمة أفندينا..
أفندينا: عظيم..عظيم..وما هى حقوق الإنسان؟
العسكرى: هى حقوق البشر فى حياة كريمة تصون حرياتهم وكرامتهم وإحتياجاتهم..
أفندينا: ماذا عن المجرمين منهم؟
العسكرى: حقوق الإنسان للشرفاء فقط..من أضاع الشرف لا ينبغى له أن يطالب بحق..حقوق الإنسان عندنا هى نفسها حقوق الملتزمين بالنظام الذى يراه ولى الأمر صالحا لشئون البلاد والعباد..
أفندينا: عظيم..عظيم..وما هو الدستور؟
العسكرى: الدستور هو وثيقة لمبادىء الدولة يستهدى بها واضعو قوانينها..
أفندينا: ومن يحدد هذه المبادىء؟
العسكرى: مصالح الأمة..(بابتسامة خبيثة)ومصالح الأمة هى مصالح رمز الأمة..
أفندينا: وهل يجب أن تلتزم الأمة بهذه المبادىء طول الوقت؟
العسكرى: بما أن الغرض من الدستور هو رعاية مصالح الأمة..يمكننا أن نعطل بعض بنوده مؤقتا اذا تعارضت مع مصالح الأمة..الدستور عندنا وثيقة مرنة..تتحكم فيها المصالح..فلا يعقل أن يتحكم الورق فى الناس..ولا يتحكم الناس فى الورق..
أفندينا: عظيم...عظيم..وما هو الفصل بين السلطات؟
العسكرى: فى الدول الحديثة..يجب أن تستقل السلطة التشريعية والقضاء ووسائل الإعلام عن السلطة التنفيذية لضمان النزاهة وعدم الإستبداد..
أفندينا: وهل هذا الفصل أفضل؟
العسكرى: بالطبع يا أفندينا..طالما أن مولاى هو الذى يعين أصحاب هذه السلطات..وطالما أن القوانين تضمن لنا عدم تمردهم علينا..فصل السلطات عندنا حق لأفندينا..
أفندينا: تمام..تمام..اذن دولتنا دولة عظيمة..
العسكرى: كيف لا تكون دولة عظيمة ومولاى على رأسها؟؟!!
أفندينا: لماذا اذن أسمع أحيانا صياح البعض عن الإستبداد وعدم تداول السلطة وغياب الحريات والفساد وتدهور أوضاع البلاد؟؟؟!!!العسكرى: أقلية يا مولاى أقلية..فى كل الدول المتقدمة توجد أقليات..والديموقراطية تفرض عليهم أن يخضعوا لحكم الأغلبية..
أفندينا: المهم ألا تصل هذه الأقلية للبرلمان..
العسكرى: اطمئن يا مولاى..مهمتنا أن نضمن أن يظلوا خارج دائرة الضوء للأبد..نحن نبذل الرخيص والغالى لتعريتهم أمام الشعب..ونتأكد بكل عناية أن الأذكياء فقط من أبناء شعبك هم الذين يصلون للجان الإنتخابية..أما الأغبياء فنحن نستبدل بهم أذكياء من الأموات والغائبين..بلدنا كانت على الدوام ولادة عبر العصور..ومن العبث أن تنقطع استفادتنا بالنجباء عندما يضن بهم الزمان.
أفندينا: ولكنهم يطالبون بأن تشرف لجان محايدة على الانتخابات..
العسكرى: بسيطة..مرسوم سلطانى من الجناب العالى يقرر أن العسكر هم حراس الوطن..وصناديق الانتخابات ليست أغلى من الوطن..هل من الشرف أن يخاف مواطن رشيد على صندوق أكثر من خوفه على الوطن؟؟؟ّّ!!! ليس من الشرف طبعا..
أفندينا: ومن أضاع الشرف لا ينبغى له أن يطالب بحق..هههههه
العسكرى: تمام يا أفندينا تمام..إننى أتعجب كل يوم من ثقافة جنابكم العالية..التى تتضاءل إلى جانبها معارف أساتذة العلوم السياسية...
أفندينا: لماذا لم تدع بعض المعارضين لحفلنا؟
العسكرى: من قال هذا يا مولاى؟ لقد دعوت ثلاثة منهم..ألم يلفت نظر معاليكم صياحهم وتهليلهم؟!
أفندينا: هؤلاء الثلاثة الذين كانوا يرتدون ملابس مضحكة؟
العسكرى: هم بعينهم..
أفندينا: لقد حسبتهم مهرجين من السيرك يقدمون فقرة ترفيهية.
.العسكرى: هم كذلك..
أفندينا: لماذا لم تدع غيرهم؟
العسكرى: حتى لا يفسدوا حفل مولانا..
أفندينا: أنت خادم أمين..هلا طلبت مقابلا لخدماتك؟
العسكرى: ليس لى ولكن للأمة يا مولاى..أتمنى أن تضاعف مخصصات الأمن فى الميزانية..
أفندينا: يا مكار!!!! تريد بناء سجن كبير للمعارضين...
العسكرى:(ضاحكا)لا لا يا مولاى..لا يمكن أن يتسع سجن لهم..هذا محال...
أفندينا: ألم تقل أنهم أقلية؟!!!!
العسكرى: أقلية فى الكيف وليس فى الكم يا مولاى..
أفندينا: كيف نحكمهم اذن وهم كثر؟
العسكرى: لا نستطيع ان نحبسهم جميعا..نحن نحبس من تطولهم الأيادى..أما الباقون فلا نستطيع أن نحبس أجسامهم..ولكننا نستطيع أن نحبس إرادتهم...لا نستطيع أن نكبل أيديهم ولكننا نستطيع أن نكبل قدراتهم..لا نستطيع أن نلجم ألسنتهم ولكننا نستطيع أن نلجم حرياتهم.
.أفندينا: لماذا تريد المال اذن؟
العسكرى: المال يشترى النفوس..أعطنى مالا وسلطة..أشترى لك أوطانا بشعوبها..
أفندينا: ولكننى اذا ضاعفت لك المال..لا أجد ما يكفى للإنفاق على التعليم والصحة والسكن والمواصلات والمرافق وغيرها..فتتدهور أحوال البلاد أكثر..
العسكرى: لابد من تضحيات ليستمر الإستقرار..
أفندينا: كنت أتمنى أن أدخل التاريخ من باب المجد..
العسكرى: التاريخ لا يأبه من أى باب تدخل...المهم أن تدخل..
أفندينا: وإذا رفضت..
العسكرى: ستكون أنت الخاسر الوحيد..لأننا لن ندع الوطن يسقط فى أيدى الحثالة..
أفندينا: أنتم من؟
العسكرى: أنا وأصدقائى..رجال مال وأعمال..وسفراء..وآخرون..
أفندينا: أنت تخدم الجميع..
العسكرى: على صاحب السلطة الحكيم أن يؤجرها عند اللزوم خوفا وطمعا..
أفندينا(منحنيا): أرسل تحياتى لأصدقائك الأعزاء..
العسكرى: ذكاؤك يا مولاى يأسرنى..لو كان معشار شعبك فى معشار حكمتك لكان الحال غير الحال..ورغم أن دوام الحال من المحال إلا أننى أقسم لك بشرفى العسكرى أن تظل (أفندينا) إلى ما شاء الله...وكذلك نسلك حتى سابع حفيد..طالما أن مولاى وولى نعمتى سيورثهم فيضا من عقله وفطنته.
**************************************
د. ياسر نجم
هناك ٣ تعليقات:
Gamila geddan ya Yasser ... impressed as usual
Waleed
موضوع جميل ومدونه اكثر من رائعه
تقبل تحياتي
Hi, very good article.
Thanks for sharing keep up the good work.
Accounting Software
برنامج محاسبة
إرسال تعليق